hassan idrissi المراقب العام
آخر مواضيع العضو : اسم متصفحك : الصفة : مراقب عام - كاتب المنتدى الهواية : الدولة : أوسمة العضو : عدد المساهمات : 288 نقاط العضو : 795 العمر : 36 المهنة : أستاذ
| موضوع: العلاج بالموسيقى : اسلوب نبيل عزام و كريمة صيقلي الأحد 28 أغسطس 2011 - 19:09 | |
| العلاج بالموسيقى : اسلوب نبيل عزام و كريمة صيقلي * كتب بواسطة بقلم: كلاديس مطر * حجم الخط تقليل حجم الخط تقليل حجم الخط زيادة حجم الخط زيادة حجم الخط * طباعة * البريد الالكتروني
بقلم: كلاديس مطر
من الاشياء التي تخلقها الموسيقى في نفس سامعها هي تحريكها ضميره الذي قد يكون نائما لدهور. و هذه ميزة قد لا نعثر عليها في اي من امور الحياة الاخرى. و ليست كل انواع الموسيقى هي قادرة على تحريك الضمير و اعادة النفس الخاطئة الى رشدها ، فما نسمعه اليوم من موسيقى حديثة معدنية راقصة هي تماما تخدير لا للضمير فحسب و انما لكل اشكال الحس .
و حين يتحدثون اليوم عن اهمية الموسيقى " الجيدة " في علاج بعض الامراض النفسية و العصبية، أقول ان العرب استخدموا الموسيقى العربية القديمة في العصرين الاموي و العباسي من اجل معالجة المرضى النفسيين و العقليين . و كان الرازي في بداية حياته موسيقيا مهما و عازفا ممتازا على العود و كذلك الفارابي الذي يقال انه وضع آلة القانون . اما كتاب ابن سينا " الشفاء " ففيه ملخص عن الشفاء بالموسيقى . و هناك اليوم اكثر من خمسة مناهج علمية طبية عن طريق العلاج بالموسيقى في اوروبا و العالم اذكر من بينها العلاج الموسيقي التحسيني ، و الغناء و المناقشة ، المخيال و الموسيقى المرشدة، و اسلوب اورف شولفيريك الموسيقى العلاجي، و التدخل الايقاعي الافضائي ..و كلها مناهج من اجل تحفيز الجهاز العصبي المركزي للانسان و تحسين ادائه الوظيفي و التغلب على الاعاقة .
ومساء الأحد الفائت ( في قاعة زيبر هول - هوليود في لوس أنجيليس ) اضاف نبيل عزام منهجا جديدا الى هذه المناهج العلاجية الجديدة بالموسيقى، بحيث تعالج لا عددا معينا من الامراض الجسدية و النفسية و حسب ، و انما لكي تقوم بدور اقوى الا و هي اعادة الوجدان المشتت ( في الغربة ) الى سكته الطبيعة ، و لقد استطعت ان اميز عدة اسس اعتمدها المايسترو المبدع نبيل عزام من اجل منهجه العلاجي بالموسيقى و هي كالتالي :
1- اللجوء حصريا الى موسيقى الزمن الجميل حيث الالحان تخرج من قلب صانعها و موهبته و عواطفه الايجابية و لا تخرج من اي مكان آخر كما هي ألحان اليوم . فعزام يدرك ان الدواء لا يكمن في علاج العوارض و انما في السبب الخفي للمرض . و موسيقى مثل سيد درويش و عبد الوهاب وفريد الاطرش انما هي جرعات العرب العلاجية و ليس " الهارد روك " او الميتال ميوزيك " مثلا .
2- اللجوء حصريا الى حناجر فذة مخملية مثل المطربة " الهامة " كريمة صيقلي التي تعتبر " مرجعا في الاغاني العربية الاندلسية ورمزا للمغرب يتجلى في الانفتاح و الروحانية". و صوت مثل كريمة لا يعتبر اداة علاجية شافية للروح و الوجدان و انما كما رايت انا بنفسي " كانت محفزا للضمائر المهاجرة " التي ادركت في لمحة و هي منتشية طربا ان الوطن لا يمكن ان يموت وان " الآه و الليالي " هي الجرعة الحاسمة .
3- التوزيع الاوركسترالي الذي اتى مبهرا جدا بحيث وضحت كل جملة موسيقية على حدا، بل إن عزام اعطى لكل عازف ولكل آلة حيزا مهما لها فلا يضيعوا في غمرة التوزيع ، و هكذا كان اثر كل منها في المتلقي حاسما لا ينسى . فالسلم الموسيقى لدى عزام نشيط و حيوي مع احتفاظه بالابعاد و اللحن و عدم العودة إلى البداية قبل نهاية المقطوعة ، أي بمعنى أنها تنتهى فعلا بالجزء الثانى فى مقامه بما ينسينا تماما جو البداية ..... وهو أسلوب لربما لا تعرفه كثيرا الموسيقى العربية التي تركز على مقاماتها كثيرا الى درجة التوهان في " السلطنة ".
4- " عربنة " أربعين عازفا امريكيا بقدرة الموسيقى . فالمستمع الى الدقة و الجمال و الابداع التي تعزف بها الحان عبد الوهاب و سيد درويش .. يتساءل في الحال كيف حصل هذا !!! و الحق ان الامر يتجاوز مجرد قراءة النوتة الى الاحساس الفعلي بالجملة الموسيقية التي يلعبها العازف . و اعتقد ان عزام كان لديه الاثر الاكبر في " عربنة " هؤلاء الشباب و " الشيب " الذين كانوا يعزفون بحيوية قل نظيرها .
ان لقاء نبيل عزام و كريمة صيقلي البارحة كان علاجيا لكل من حضره ..فلقد لمحت احدهم و هو نصف مغمض العينين في وضعية صلاة لمدة ساعتين يصغي و شبه ابتسامة مرسومة على فمه .. ترى بماذا كان يفكر ؟ هل كان الصوت الذهبي لكريمة أم كمان نبيل عزام أم الاداء المبهر للفرقة ام تراه كل هذا معا ...؟
الحق لقد تحدثت كتب مثل الاغاني و العقد الفريد و كتب احياء الدين أن الجمل كان يغير خطوته بحسب الايقاع و الوزن و الغزال تسهل قيادته بالموسيقى و الحيات تنسحر و النمل يتجه الى النار و يرتمي بها و ان بعض الطيور تسقط ميته و هي محلقة متى استمعت الى الموسيقى .
لكن الانسان ، و اقولها يقينا ، يعود الى رشده على اثر جملة موسيقية ما ، و ربما تقلب هذه العودة اشياء و قناعات كثيرة لديه، او ربما تزيد من كمية الحب في قلبه تجاه العالم حوله او تجعله اكثر رقة و وجدانا ..
يوم الأحد الفائت نبيل عزام و كريمة صيقلي فعلا كل هذا .. الحمدلله لم تكن حفلتهما في الهواء الطلق و الا لكانت الطيور المحلقة قد سقطت على رؤسنا و نحن في غفلة عن الزمن .
كلاديس مطر | |
|