IMADZZ الادارة العامة
آخر مواضيع العضو : اسم متصفحك : الصفة : الادارة العليا للمنتدى - مؤسس الموقع الهواية : الدولة : أوسمة العضو : عدد المساهمات : 1868 نقاط العضو : 4609 العمر : 27 المهنة : التعليم
| موضوع: القرضاوي يروي قصته مع الملك الراحل الحسن الثاني الخميس 11 نوفمبر 2010 - 12:31 | |
| زيارةالمغرب والمشاركة بدرس من الدروس الحسنية (مذكرات القرضاوي) في شهر رمضانسنة 1403ه الموافق 1983م، دعيت من قِبل وزير الأوقاف المغربي الدكتور عبدالكبير العلوي عن طريق سفير المملكة المغربية بالدوحة، للمشاركة في الدروسالحسنية الشهيرة، التي اعتاد ملك المغرب الحسن الثاني أن يقيمها كل رمضان،ويدعو إليها عددا من العلماء من خارج المغرب، بالإضافة إلى علماء المغرب.زيارة سابقة سنة 1978م ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي أدعى إليها لهذهالدروس، فقد دعيت إليها من قبل عدة مرات، ولكني كنت أعتذر عن عدم تلبيةالدعوة بأعذار شتى، فقد حذرني كثيرون: أن هذه الدروس تلزم العلماء بطقوسمعينة لا تتفق مع طبيعتي، مثل الانحناء، والمبالغة في الثناء والتعظيمللملك الذي يدعونه عادة بأمير المؤمنين. وقلت: أنا في غنى أن أكلف نفسي مالا تحبه ولا تحتمله، فالاعتذار أسلم طريق. ولكن سفراء المملكة في قطرالذين خالطوني وعرفوني ظلوا يلحون علي أن أستجيب، وقالوا لي: إن أحدا لايلزمك بشيء من هذه الطقوس، وكل عالم حر في تصرفه، وأخيرا استجبت للدعوة فيرمضان الموافق 1978م، وسافرت إلى المغرب فعلا، للمشاركة في هذه الدروس،ولكن قدر الله سبحانه وتعالى: أن يدخل الملك المستشفى لإجراء عمليةجراحية، فلم تعقد هذه الدروس في ذلك الموسم. ومن هنا رتبوا لنا زيارة بعضالمدن المغربية، وإلقاء بعض الدروس والمحاضرات في بعض المدن، منها مدينةالرباط نفسها، ومنها الدار البيضاء، ومنها مدينة فاس، التي زرت فيها جامعالقرويين الشهير، وألقيت محاضرة في جامعة محمد بن عبدالله، قدمني فيهاصديقنا العالم الداعية الثبت المعروف: الدكتور عبد السلام الهراس. كما زرتمدينة تازة، وألقيت فيها محاضرة في ذكرى غزوة بدر. كما شاركت في ندوةعقدها التلفزيون المغربي حول (غزوة بدر) والدروس المستفادة منها، وكان معيفيها مؤرخ الفتوحات الإسلامية اللواء الركن محمود شيت خطاب، المعروفبمؤلفاته ودراساته في السيرة والتاريخ، والأخ العالم المعروف الدكتور عبدالسلام الهراس. ومن اللطائف: أن الأخ المذيع الذي كان يدير الندوة، ارتبكعند تقديمنا، فقال: يشترك في هذه الندوة: اللواء الركن يوسف القرضاويوفضيلة الدكتور محمود شيت خطاب! وضحكنا من ذلك، وألغيت هذه المقدمة. وقدعلق عليها اللواء شيت خطاب قائلا: إنه ليشرفني أن يطلق علي الشيخ محمودخطاب، لا فضيلة الدكتور، فلقب (شيخ) عندي أفضل من دكتور، ومن لواء، ومن أيلقب دنيوي يحرص عليه الناس. وأحب أن يخاطب الشيخ القرضاوي بلفظ الشيخ لابلفظ الدكتور. وانتهى تسجيل الحلقة على ما يرام. وبعد ذلك عدت إلى قطر، عنطريق باريس، بعد أن تعرفت على المغرب في أول زيارة لي إليه. وتعرفت علىالأخ الكريم الداعية: عبد الإله بن كيران، الذي صحبني إلى الأسواق، لأشتريبعض الملبوسات المغربية للأولاد. وقلت في نفسي: الخير ما اختاره الله لي،فقد كنت متخوفا من هذه الدروس وما قد يكون فيها من إحراجات لا تناسبني.وكل شيء مرهون بوقته على ما قدر الله سبحانه. هذا ما كان في زيارة سنة1978م. أما هذه المرة، فقد كانت سنة 1983م، وفي شهر رمضان 1403ه. وقدسافرت من قطر على طائرة الخليج التي أقلّتني من الدوحة إلى باريس، والتيتقوم عادة من الدوحة بعد منتصف الليل، وتصل إلى باريس في الصباح. ثم آخذالطائرة المغربية بعدها من مطار (أورلي) على مسافة غير قليلة من مطار(شارل ديغول)، وقد رتب الإخوة من ينقلني ويصحبني. إفطار في السفر وأناعادة إذا سافرت في رمضان إلى القاهرة أو السعودية أو نحوهما، لا أفطر،وأظل صائما، لا لأن الفطر ممنوع أو مكروه، ولكن المسافر أمير نفسه، إن شاءأفطر، وعليه عدة من أيام أخر، بعدد الأيام التي أفطرها، وإن شاء صام ولاحرج عليه. خلافا للظاهرية الذين أوجبوا على المسافر في رمضان أن يفطر. وهومروي عن أبي هريرة. وفي السفر إلى هذه البلاد العربية، لا أجد مشقة تدعونيإلى الفطر. والذي دعاني إلى الأخذ برخصة الفطر في هذه المرة: أني وجدت أنيلن أصل إلى الرباط إلا الساعة الثانية عشرة بتوقيت قطر، وكان الوقت صيفا،مع التنقل من مطار إلى آخر، فرأيت أن الفطر أحب إلي، وطالما ذكرت للناسالحديث النبوي: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته".وفعلا عندما وصلت إلى مدينة الرباط، ونزلت الفندق – فندق حسان – وهو الذينزلت فيه المرة الماضية، كنا في منتصف الليل تماما، بتوقيت قطر، إذ الفرقبين قطر والمغرب ثلاث ساعات. وبقيت أياما أنتظر دوري في إلقاء درسي، وقدعزمنا بعض وجهاء الرباط على الإفطار، على الطريقة المغربية، حيث نتناولشُربة (الحريرة) ثم نصلي المغرب: فريضته وسنته، ثم نعود لاستكمال الإفطار.مشادة مع د. علي عبد الواحد وافي ومما أذكره: أني وقعت في مشادة معأستاذنا الدكتور علي عبد الواحد وافي رحمه الله، الذي عرفته منذ أن كنت فيوزارة الأوقاف بالقاهرة، وكنت أشرف على معهد تثقيف الأئمة، وكان هو أحدالمحاضرين المرموقين فيه، وكان بيني وبينه مودة، ثم انقطعت الصلة الماديةبيني وبينه، بسبب سفري إلى قطر، إلى أن التقينا في الرباط. كان سببالمشادة، هو استخدام اليد اليمنى في الأكل والشرب، وهل هي سنة تتبع أوعادة يفعلها مَن شاء ويتركها مَن شاء؟ وكان رأي الدكتور علي رحمه الله: أنالأكل باليمين والشرب باليمين ليس أكثر من عادة، مثل الأكل باليد أوبالملعقة والشوكة، والأكل على الأرض أو على المائدة. وهنا قلت له بكل أدب:اسمح لي يا فضيلة الأستاذ أن أخالفك في بعض ما قلت، وأوافقك في بعضه. فأماالذي أوافقك فيه: فهو الأكل باليد أو بالملعقة، والأكل على الأرض أو علىالمائدة (الطاولة)، فهذه من الأفعال التي ليس فيها أمر ولا نهي من النبيصلى الله عليه وسلم. وهذا بخلاف ما جاء في شأن الأكل باليمين والشربباليمين، فقد جاءت فيهما أحاديث صحيحة صريحة، مثل حديث: "لا يأكل أحدكمبشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله" فجعلالأكل بالشمال من عمل الشيطان، وهو يؤذن بحرمة هذا العمل. ولو كان الواردهنا مجرد الأمر كقوله: "سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، لقلنا: الأمرهنا يفيد الاستحباب، ولكن النهي في الحديث المقترن بالتشبيه بالشيطان،دلَّ على شيء آخر. ثم قلت: إن الإسلام يريد بمثل هذا الأدب: أن يغرس فيالأمة عادات مشتركة تميزها بين الأمم، فإذا كان الأوربيون يأكلون بالشمال،فإن الأمريكيين يأكلون باليمين. وهنا قال الدكتور وافي: الأمريكيون لايأكلون باليمين، بل بالشمال. قلت: يا سيادة الأستاذ، أنا كنت في أمريكا منقريب، وقد زرتها أكثر من مرة، ورأيتهم يأكلون باليمين. قال: أنا أعلمبالغربيين منك. قلت: هذا صحيح ومُسلَّم، ولا أدعي أني أعلم منك في هذا،ولكن سيادتك عشت في فرنسا، ولم تعش في أمريكا، وحاول بعض الحاضرين أن يفضاشتباكنا. وكنت حريصا على ألا أستمر في هذا الجدل، بل أسفت له، ولكني سمعتخطأ، فلم يسعني إلا أن أصوِّبه، وليس في العلم كبير، وفوق كل ذي علم عليم.برغم أني أعترف أن الدكتور وافي كان من العلماء الموسوعيين، الذي جمع بينالثقافة الشرعية العربية، التي استقاها من الأزهر، والثقافة الغربية، التياستقاها من فرنسا، فكان من كبار أساتذة علم الاجتماع، وأساتذة علمالتربية، وأساتذة علم اللغة، وأساتذة الدراسات الإسلامية. ومع ذلك، فلكلعالم هفوة، ولكل جواد كبوة، وهذا لا يسقط اعتباره، ولا ينزل من قيمته.وكان علماء المغرب أحفياء بي، وقد أحاطوني بتقديرهم وعنايتهم وترحيبهم،طوال الأيام التي أقمتها في الفندق، منتظرا ليلة درسي، حتى أعلمونيبالموعد المرسوم. درسي كان عن حديث تجديد الدين وكانت الدروس عادة تنطلقمن آية كريمة، أو من حديث شريف، وقد سألوني عن منطلق الدرس، وهل هو مكتوبأو مرتجل، فأخبرتهم أنه مرتجل، وأنه ينطلق من الحديث النبوي الذي رواه أبوداود والحاكم وغيرهما عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنالله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة: مَن يجدد لها دينها". والذيرجَّح اختياري لهذا الحديث: أننا في أوائل القرن الخامس عشر الهجري، فلميمض منه إلا سنتان وبعض الثالثة. وفي الليلة المعهودة، ذهبت إلى قصرالملك، وحييته وسلمت عليه من وقوف، ولم أضطر إلى أن أنحني، أو أخرج عنطبيعيتي قيد أنملة، كما قد قيل لي من قبل. بل كان الرجل ودودا بشوشامُرحبا بي أكثر من غيري، ممن ألقوا دروسا قبلي. وقد استمعت إلى بعضهم،فوجدت منهم مَن يسرف في الثناء والإطراء نثرا وشعرا، ولكن لم يلزمهم أحدبذلك، وإنما هم الذين التزموا به طوعا. جلست كما جلس الجميع – ومنهم الملكنفسه- على الأرض، وقد حضر ولي العهد – وهو الآن الملك محمد السادس- وحضرالوزير الأول والوزراء وكبار رجال الدولة، وقادة الجيش، وسفراء الدولالإسلامية، وكبار العلماء ووجهاء البلد. وكان سفير قطر في ذلك الوقت هوعميد السلك الدبلوماسي، لعراقته في وظيفته هناك، وهو الأستاذ عبد اللهالجيدة حفظه الله. وابتدأت درسي بقولي: مولانا الملك المُعظم ... ثماسترسلت في درسي. وجدت الخطاب بهذا الوصف هو أكثر ما يكون ملاءمة لموقفي،وهو تعبير صادق عن الواقع، وليس فيه ما يؤخذ عليَّ. فأما كلمة (مولانا)فكل المسلمين موالي بعضهم لبعض، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:71]، وأما كلمة (الملك) فهذهحقيقة، فهو ملك مبايع من شعبه، وأما كلمة (المُعظم) فهي حقيقة كذلك، بل هومعظم جدا، ولا سيما من ناحية نسبه الشريف، إذ هو يفخر بأنه ينتمي إلىالحسن السبط أحد سيدي شباب أهل الجنة. فلم أكذب ولم أنافق فيما قلت. ثمأوردت الحديث كما هو في سنن أبي داود، وأخذت أشرحه وأربطه بالواقع،مُبيِّنا معنى التجديد وجوانبه المختلفة، وهل المجدد فرد أو جماعة أومدرسة؟ واخترت الاتجاه الثاني، وكلمة (من) في الحديث، تصلح للجَمْع، كماتصلح للمفرد، وعرجت على قضايا واقعية حية، في الخمسين دقيقة التي استغرقهاحديثي، وقد كان الملك يصغي إليَّ باهتمام: بوجهه وعينيه وأذنيه، وكذلكالحاضرون جميعا، وكان حديثي يحمل نقدا للواقع، الذي نعيشه في ديار العربوالإسلام، وهو حديث عالم مشغول بالدعوة والإصلاح والتجديد، فلا يُتصور أنينفصل عن واقع الأمة وأدوائها وآمالها. مناقشة مع الملك وفي آخر الدرس، أوقل: بعد أن ختمته، سألني الملك سؤالا مهما على عادته في مناقشة العلماء،وذلك حين قال: إن الذي نحفظه في رواية هذا الحديث: أنه بلفظ: "يجدد لهاأمر دينها". قلت: هذا هو المشهور على الألسنة، ولكن الذي رواه أبو داود فيكتاب الملاحم من سننه، ورواه الحاكم في مستدركه، ورواه البيهقي في معرفةالسنن والآثار، كلهم متفقون على هذه الصيغة: "يجدد لها دينها"، والتجديدبالمعنى الذي شرحته لا حرج فيه. وقد كان هذا السؤال من الملك والرد عليهمني بصراحة، موضع حديث المغرب كله: أني رددت على الملك، ولم أُسلِّم له،كما يفعل الكثيرون، ولا أرى في ذلك بطولة ولا فضلا، فقد سأل الملك سؤالا،وبيَّنت له الإجابة حسب علمي. ولن أحرّف العلم من أجل الملك، ولا أحسبه هويرضى ذلك مني، ويبدو أن الذي تعوده الناس من العلماء: ألا يعقبوا على مايقوله الملك. ولانشغالي بالدرس أكثر من انشغالي بالملك، لم أفكر في الدعاءله في ختام حديثي. فقد تركت نفسي على سجيتها، وكأنما أنا في درس في أحدجوامع الدوحة. وفي ختام المجلس: صافحني الملك بحرارة، وقال لي: نريدك أنتكون معنا في الموسم القادم. وطلب مني أن أبلغ سلامه إلى سمو أمير قطرالشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وقد فعلت. كما سلم عليّ وليّ العهد وكباررجال الدولة، وسفير قطر، الأستاذ عبد الله الجيدة، عميد السلك الدبلوماسيفي المغرب، وسفير عمان، وقد كان ممن يحضرون دروسي في الدوحة، وقد حصل علىالثانوية من قطر، وهو من آل الحارثي. كان لهذا الدرس – الذي أعتبره عاديابالنسبة لي- صدى واسع عند الناس كافة في المغرب، حتى قابلت بعض أساتذةالجامعات بعد ذلك، ووجدتهم مسرورين من حديثي، معجبين به، ولا سيما أني لمأراع فيه إلا وجه الله تعالى، ولم ألو فيه عنق الحقائق، ولم أحرف الكلم عنمواضعه، ولم أنحن ولم أنثن. ونوهت مجلة العدل والإحسان، على لسان مؤسسالجماعة الشيخ عبد السلام ياسين بموقفي في هذا الدرس. وكان عندي لقاء معالشباب الإسلامي في تلك الليلة، التي سأسافر إن شاء الله في صباحها.والتقيت بالشباب، أظن ذلك في منزل الأخ الفاضل عبد الإله بن كيران، وعددكبير من إخوانه، وكانوا في غاية السرور والانشراح من الدرس وصداه فيالمجتمع المغربي، الذي لمسه الجميع بمجرد إلقائه. وكان مما قالوه لي: إنكلا تعرف أثر هذا الدرس في هذه المملكة كلها، إن الناس في المغرب كله – علىاختلاف مستوياتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية والدينية- كانوا ينتظرونماذا سيقول القرضاوي في درسه أمام الملك: الإسلاميون، والليبراليون،والماركسيون، والقوميون، وكل الأحزاب والفئات. قلت لهم: حتى الإسلاميونكانوا ينتظرون هذا الدرس؟ قالوا: نعم، كان الإسلاميون وربما نحن منهم،يقولون: إما أن نمزق كتبه بعد هذا الدرس، إذا لم يوف بحقها، ولم يحترم ماقاله فيها، وإما أن نزداد احتراما واحتضانا لها! قلت لهم: لعل كتبي سلمتمن التمزيق! قالوا: الحمد لله، بل ازددنا لها حبا، وبصاحبها تعلُّقا، وهذاهو الموقف في المغرب من أقصاه إلى أقصاه. قلت: الحمد لله الذي هدانا لهذا،وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وألقيت فيهم كلمة دعوية توجيهية،وأجبت عن عدد من أسئلتهم التي أعدوها لتطرح علي قبل أن نتناول السحور،ونصلي الفجر، وننصرف. وأذكر من هذه الأسئلة سؤالا مهما يتعلق بإثبات بدايةالصيام ونهايته، قال الإخوة: إن عندنا مشكلة تظهر في بداية كل رمضانونهايته، فلدَيْنا فئات ثلاث من أهل المغرب: - فئة تصوم وتفطر مع (المملكةالعربية السعودية)، وهم عادة من الإخوة السلفيين أو ممن يسميهم الناس:الوهابيين. - وفئة ثانية تصوم وتفطر مع (تونس) التي تعتمد الحساب الفلكيفي صيامها وفطرها. وغالبا ما يتفق هذا مع مصر والجزائر وغيرهما. - وفئةثالثة، تصوم وتفطر مع ما تقرره السلطات الشرعية المسؤولة في المغرب. وهيفي العادة تتأخر عن هؤلاء وأولئك. فما رأيك في هذه الفئات الثلاث، وأيهاترجح لنا أن نتبعه؟ قلت: الكلام في هذا يطول، ورأيي الذي أفتي به من سنينطويلة: أن نعتمد الحساب الفلكي في النفي لا في الإثبات، بمعنى: أن الحسابإذا نفى إمكانية الرؤية من الناحية العلمية القطعية، فلا نقبل شهادةالشهود؛ لأن شهادة الشهود ظنية، والحساب الفلكي العلمي قطعي، والظني لايقاوم القطعي، فضلا أن يقدم عليه. كما قال الإمام تقي الدين السبكي فيرسالة له. وإذا قال الحساب بإمكان الرؤية، فإن وجود الرؤية في أي مكانيمكن أن يثبت به الهلال في البلاد الأخرى، وخصوصا ما كان قريبا منه، بناءعلى عدم اعتبار اختلاف المطالع. ولكن ما أراه شيء، وما هو واقع شيء آخر.فأحيانا يثبت الهلال في السعودية، مع أن الحساب القطعي يقول: إن الهلال لميولد بعد. فالمشكلة هنا في وجود الخطأ في إثبات الرؤية، إذا كان الهلال لميولد: كان الشاهد مخطئا أو واهما أو كاذبا. على أن الذي أقره هناباطمئنان: أننا إذا لم نصل إلى وحدة المسلمين في شعائرهم الدينية في أقطارالأرض كلها، كما يحلم كثيرون، فلا أقل من أن نحرص على وحدتهم في كل قُطر،بحيث يصومون معا، ويُعيِّدون معا؛ إذ ليس مقبولا بحال أن يصوم جماعة منهموسائر أهل البلد مفطرون، أو تعلن العيد فئة منهم فيصلون ويكبرون وسائر أهلالبلد صائمون. ولذا أرى أن أسلم المواقف في المغرب هو موقف الفئة الثالثةالتي تصوم وتفطر مع أهل المغرب، بناء على تعليمات السلطات الشرعيةالمُخوَّلة بإثبات الهلال، كالمحاكم الشرعية، أو الإفتاء، أو وزارةالأوقاف، أو غيرها. قلت للإخوة: إن الملك قال: نريد أن نراك معنا في رمضانالقادم. قالوا: ثق أنهم لن يدعوك مرة أخرى، ستُعرِّفه المخابرات: من أنت؟وما أفكارك؟ وما دعوتك؟ وما تاريخك؟. قلت لهم: لست حريصا على الحضور، حسبيأني قلت كلمتي، وأديت واجبي. وتسحرنا، وصلينا الفجر، وذهبت إلى الفندق،لأستعد للسفر في أول طائرة إلى باريس. وفي المطار أقبل عليّ الناسيعانقوني ويقبلون يدي، ويمطرونني بعبارات الثناء والشكر والدعاء. وحينركبت الطائرة أقبل عليّ قائدها، والمضيفون والمضيفات، كلهم قد شاهدوا درسيوتأثروا به. فأتوا يصافحونني أو يعانقونني. وفي مطار باريس، وجدت الكثيرينممن شاهدوا الدرس في التلفاز يحيطون بي، وفي أعينهم بريق الفرح، وعلىثغورهم ابتسامة الرضا، وعلى ألسنتهم الدعوات الخالصة لشخصي. وهذا من فضلالله علي، فما قدمت شيئا، غير أني قلت ما أومن به، وأرجو أن يكون فيميزاني في الآخرة ثوابا وجزاء، كما كان لي في الدنيا ثناء وإطراء. ولقدبقيت يوما في باريس، وصليت المغرب في إحدى المصليات، وأفطرت سريعا معالإخوة، وبت في الفندق، لآخذ طائرة الخليج في اليوم التالي إلى الدوحة.وأذكر حادثة طريفة وقعت لي في تلك الليلة، فقد كان في حجرتي ثلاجة فيهامشروبات تعمل إلكترونيا، وأنا أُمّيّ في استخدام الإلكترونيات، فقد ضغطتعلى زر في الثلاجة، لأحصل على مشروب، فإذا بالزر الذي لمسته، ينزل لي(زجاجة ويسكي)!! يا للهول! وماذا أفعل بهذه المصيبة؟! المهم أني لا أستطيعأن أردها إلى موضعها من الثلاجة. وقد سجلت عليَّ في حسابي: ثمن زجاجةويسكي معتّق! وحين نزلت في الصباح لأغادر الفندق، أخذت الزجاجة معي مضطرالحملها، مع ما ورد في لعن حامل الخمر، ولكني أريد أن تحذف من سجلي فيالفندق. واستعنت بأحد الإخوة من الجزائريين، الذين يعرفون الفرنسية،ليُفهم رجال الفندق بالقضية، أني مُصرّ على حذفها من سجلي، وبعد أخذ وردّ،وجذب وشد، استجابوا لي، ولله الحمد. ولقد تركت المغرب، وليس للناس حديثإلا درس القرضاوي أمام الملك، ورد القرضاوي الشجاع على سؤال الملك، وليسفي الأمر شجاعة إلا بيان الحق بصراحة دون التواء. ولقد قال لي ابنناالحبيب وتلميذنا النجيب فريد شكري، الذي يلقبه إخوانه بالمغرب: القرضاويالصغير، قال لي: لقد سجلت الدرس على شريط كاسيت، وأعدته مرارا حتى حفظته،ولقد كنت أكرره لنفسي، وأكرره لمَن يطلب سماعه، حتى أزعم أني سمعته حواليْثلاثمائة مرة!! وفي الصيف سافرت إلى مدينة جنيف في سويسرا، لأشارك فياجتماع هيئة الرقابة الشرعية لدار المال الإسلامي، وكنت عضوا فيها، وقداصطحبت معي ابني الأكبر (محمدا)، وأردت أن أتيح له فرصة ليتفرج على جنيف.وأهم ما في جنيف هو (البحيرة) التي تطل عليها المدينة، والتي يتمتعالمصيفون بالجلوس على مقاعدها، أو التجول حولها، أو ركوب إحدى البواخرالتي تطوف بها مُشرِّقة ومُغرِّبة. وقد وجدت هذه أمثل الطرق للاستمتاعبالبحيرة الجميلة، التي لا أكاد أستمتع بها رغم حضوري إلى جنيف مراتومرات. وقطعت تذكرتين لي ولابني. وكان من المصادفات الطيبة: أن وجدت الأخالداعية الكبير الأديب الشاعر الأستاذ عصام العطار، الذي لم أره منذسنوات. وبعد أن تصافحنا وتعانقنا، ذكر لي أبو أيمن قائلا: إن درسك أمامالملك الحسن، قد طبع منه الإخوة المغاربة الألوف المؤلفة من الأشرطة،ونشروه على نطاق واسع في أوربا، وكان له أثر بالغ في أنفس الكثيرين، فجزاكالله خيرا. وفي ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر التقيت الأستاذ الدكتورمحمد عزيز لاحبابي أستاذ الفلسفة في المغرب، وزوجته الدكتورة عائشة، فكانأول ما قالاه لي: كان درسك أمام الملك بالغ الروعة، وقد أثر في أبناءالمغرب، وشاهده الناس جميعا. قلت لهما: مثل هذه الدروس يهتم بها الناس،فيرونها في التلفزيون، أو يسمعونها في الإذاعة. قالا: مثل هذه الدروس تلقىباستمرار، ولا يهتم الناس بها، ولا يلتفتون إليها، وخصوصا المثقفين. ولكنلأن هذا درس القرضاوي كان موضع اهتمام الجميع. قلت في نفسي: ما أعظم مايملك أصحاب الرسالات الربانية من قوى لا يقدر الخصوم قدرها! كلمة حق قلتهافي درس كان لها هذا الصدى الهائل، وهذا التأثير الكبير، وصدق الله العظيمإذ يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةًكَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء *تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُالأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:25،24]. | |
|